واقع الصحافة النسائية في الوطن العربي

يتناول كتاب الصحافة النسائية في الوطن العربي للمؤلفة د. سمر كرامي والصادر عن دار النهضة العربية ببيروت الصحافة النسائية التي شهدت ازدهاراً كبيراً في مصر وسوريا ولبنان بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. بحيث ظهرت نحو أربعين مجلة نسائية بين عامي 1892 و،1950 قامت المرأة بتأسيسها وتحريرها، وقد بيّنت المؤلفة في بحثها أن النهضة الصحافية عموماً ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالنهضة النسوية. ومن أبرز الصحافيات اللبنانيات وصاحبات الصحف اللواتي لمعت اسماؤهنّ في بدايات القرن العشرين:أنجلينا أبو شقرا (العالم الجديد1909)، سلمى أبي راشد (فتاة لبنان1914)، ماري يني (مينرفا1916)، نجلاء أبي اللمع (الفجر1919)، مريم الزمار(فتاة الوطن1919)، عفيفة صعب (الخدر1919)، جوليا طعمة(المرأة الجديدة، روز أنطون حداد(الحياة الجديدة1921)، ألفيرا لطوف (المستقبل1932).

وقد سعت المؤلفة إلى وصف النتاج الصحافي النسائي وتحليله من حيث المضمون والأهداف كاشفة عن مميزاته وخصائصه، وذلك من خلال النتاج النسائي في صحيفتي النهار والسفير اللبنانيتين. لكنها سعت قبل ذلك إلى تتبع مراحل العمل الصحافي النسائي التي ارتبطت بطبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في كل فترة. وقد قسمت المؤلفة هذه المراحل إلى خمس، الأولى، وهي التي امتدت منذ نشأة العمل الصحافي النسائي في أواخر القرن التاسع عشر حتى العشرينات من القرن العشرين، حيث كان العمل الصحافي النسائي بمثابة وسيلة تعبّر فيها المرأة عن رأيها، بعدما وعت أهمية كيانها في المجتمع. وكان العمل الصحافي النسائي آنذاك عبارة عن مبادرة فردية، أما المرحلة الثانية، وهي الممتدة حتى الأربعينات من القرن العشرين. فقد شهدت تغيّراً لافتاً على مستوى قضية المرأة، خصوصاً لجهة تحسّن نظرتها إلى نفسها، فهبّت تطالب بحقوقها على الصعد السياسية والاجتماعية والقانونية كافة. وقد انعكس ذلك على مضمون العمل الصحافي النسائي آنذاك الذي اتّصف بحمله لواء قضية معينة، بعدما كان مقتصراً على الرأي الإفرادي. ولم يقتصر مضمون العمل الصحافي النسائي وقتها على قضية المرأة فحسب، بل تعدّاها إلى القضايا الوطنية كالاستقلال وتشجيع الصناعة الوطنية وغيرها، علماً أنه بقي ذا طابع أدبي، شأن المرحلة السابقة.

أما المرحلة الثالثة، فقد امتدت حتى منتصف السبعينات بداية الحرب الأهلية في لبنان. وقد تطور العمل الصحافي النسائي بشكل لافت في تلك المرحلة، إذ تحوّل إلى عمل احترافي وإلى امتهان، وتأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة التي امتدت حتى بداية التسعينات، وهي المرحلة الحرجة التي عاش فيها لبنان حرباً أهلية انعكست سلباً على ميادين الحياة كافة. إذ رأى البعض أن المرأة قد انكفأت نوعاً ما عن عملها الصحافي لأسباب صعبة، بينما رأى آخرون أنها تمكنت من إكمال مهمتها كصحافية على اكمل وجه. وعلى الرغم من ذلك، فإن عدد الصحافيات آنذاك لم يكن كبيراً ولا يشكل غالبية الصحافيين العاملين في الصحف خصوصاً السياسية منها، أما المرحلة الخامسة، وتمتد من بداية التسعينات حتى اليوم، وهي المرحلة التي انتقلت فيها الصحافة من طور إلى طور.

وقد تبيّن للباحثة أن المرأة الصحافية، شأنها شأن النساء العاملات كافة، تخضع لمعايير اجتماعية قد تتحكم إلى حدّ كبير بتطورها المهني، مما يبرر بقاءها خارج إطار مواقع صنع القرار في المؤسسات الصحافية التي تعمل فيها. إذ أنه على الرغم من زيادة عدد النساء الجامعيات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وتحديداً خريجات كليات الإعلام، وعلى الرغم من زيادة عدد الصحافيات أو النساء العاملات في المجال الصحافي، إلا أن نتائج البحث بيّنت أن الصحافية لا تحتل سوى بعض الوظائف التنفيذية، وأنها بعيدة كل البعد عن مواقع صنع القرار في المؤسسات الصحافية اللبنانية، وتحديداً السياسية. كما بيّنت النتائج وجود تضارب بين مهنة الصحافة والحياة الخاصة للصحافية، على عكس المهن الأخرى التي قد تتمكن المرأة فيها بسهولة من التوفيق بينهما، بالإضافة إلى المشاكل النفسية التي تعانيها الصحافية جراء التمييز بينها وبين زميلها الصحافي والذي مرده إلى النظرة الدونية إلى قدرات المرأة.

أما عن خصوصية النتاج الصحافي النسائي فقد تبيّن ميل المرأة إلى كتابة أنواع صحافية معينة كالتحقيق، وبعدها عن كتابة التحليلات السياسية والافتتاحيات، وكذلك بعد المرأة الصحافية عن الكتابات السياسية تماماً. إلا أن النتائج بيّنت أن هناك ثلاث فئات من النساء الصحافيات: صحافية تكتب في المجال السياسي لأنها تحب ذلك، صحافية لا تكتب في المجال السياسي لأنه لا يستهويها، وصحافية لا تكتب في المجال السياسي لأنها لم تُمنح الفرصة لخوض هذه التجربة. وبالتالي فإن عدد الخريجات من كليات الإعلام لا يتناسب مع عدد الصحافيات العاملات في المؤسسات الصحافية(السياسية)، وهذا يعكس واقعاً مفاده أن الخريجات- غالبيتهنّ- قد يفضّلن الإعلام المرئي على الإعلام المكتوب، وهذا ما يثبته حضور اللبنانيات في المحطات التلفزيونية والفضائيات العربية.

انتهت الباحثة بالدعوة إلى تفعيل الصحافة النسائية، ووضعت جملة من الاقتراحات هي بمثابة توصيات، كان أبرزها، ضرورة أن تنشط الصحافية لفرض حقها في أن تكون في موقع القرار ولتعزز دورها الإعلامي ووضعها المهني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.