طيبة النواب
تعاني محافظة البصرة من أزمة بيئية خانقة تهدد حياة سكانها وسبل عيشهم، خاصة النساء اللواتي يتحملن عبء الفقر والمرض والنزوح. فمنذ عام 2015، شهدت المحافظة تدهوراً كبيراً في نوعية الهواء والمياه بسبب التلوث الصناعي والزراعي والمحلي، إضافة إلى تأثيرات التغير المناخي التي تسببت في ارتفاع درجات الحرارة وتقلب الأمطار والجفاف.
وتقول أم علي، سيدة في الأربعين من عمرها تسكن في حي الجمهورية، إنها تعاني من أمراض تنفسية وجلدية بسبب التلوث الهوائي والمائي. وتضيف: “لا نستطيع النوم ليلاً بسبب الحر والروائح الكريهة التي تنبعث من المصافي والمجاري. ونحن نستخدم مياه الحنفيات للشرب والطبخ والغسيل، وهي ملوثة ومالحة وتسبب لنا حكة وحبوباً في الجلد. ولا نجد دواء أو معالجة في المستشفيات المزدحمة والمهملة”.
وتشير الدراسات إلى أن مستويات التلوث في البصرة تتجاوز بكثير المعايير الدولية المسموح بها، وأن ذلك ينعكس سلباً على صحة السكان وخاصة النساء والأطفال. فقد أظهرت إحصاءات رسمية أن نسبة الإصابة بالسرطان في المحافظة ارتفعت من 500 حالة في عام 2016 إلى 1600 حالة في عام 2019. كما أن النساء يعانين من مشاكل في الحمل والولادة والخصوبة بسبب التلوث.
ويقول الدكتور علي حسين، أخصائي في الأمراض الجلدية في مستشفى الصدر التعليمي، إنه يستقبل يومياً عشرات الحالات من النساء اللواتي يشتكين من حساسية والتهابات وقرح في الجلد. ويقول: “هذه الأمراض ناجمة عن التعرض للمياه الملوثة والمالحة والمواد الكيميائية التي تحتويها. ونحن نعطيهن بعض الكريمات والمضادات الحيوية، لكنها لا تكفي لعلاجهن بشكل كامل. فالحل الجذري هو تحسين نوعية المياه والهواء في المحافظة”.
وتتفاقم مشكلة المياه في البصرة بسبب تغير المناخ الذي يؤدي إلى انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات اللذين يغذيان المحافظة بالمياه العذبة. ويقول الدكتور حسن الجنابي، خبير مياه ومدير مركز البصرة للدراسات الاستراتيجية، إن العراق يواجه أزمة مائية خطيرة بسبب تناقص المياه الواردة من تركيا وإيران وسوريا، وزيادة الطلب على المياه داخلياً، وسوء الإدارة والتخطيط. ويقول: “البصرة هي أكثر المحافظات تضرراً من هذه الأزمة، لأنها تعتمد بشكل كبير على المياه السطحية للشرب والري والصناعة. وعندما تنخفض كمية ونوعية هذه المياه، تتأثر جميع القطاعات والفئات، وخاصة النساء اللواتي يتولين مسؤولية توفير المياه لأسرهن”.
ويضيف الدكتور الجنابي أن الحلول الممكنة لمواجهة هذه الأزمة تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً لتنظيم تدفق المياه من الدول المجاورة، وتحسين البنية التحتية والخدمات المائية في العراق، وترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد المائية، وزيادة الوعي والتثقيف للمواطنين وخاصة النساء حول أهمية المياه وكيفية استخدامها بشكل مستدام.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تحاول بعض النساء في البصرة أن يكون لهن دور فاعل في حماية البيئة والتخفيف من آثار التلوث والتغير المناخي. فمنهن من ينظمن حملات توعية وتنظيف وزراعة في أحيائهن ومدارسهن ومساجدهن، ومنهن من يشاركن في مشاريع صغيرة لإنتاج الطاقة النظيفة وإعادة تدوير النفايات وتوفير المياه النظيفة. وتقول أم محمد، وهي أحدى المشاركات في مشروع لتركيب الألواح الشمسية في منزلها، إنها تشعر بالفخر والسعادة لهذه المهمة التي تقوم بها.